هل من الممكن أن تقوم دولة الاحتلال بنقض اتفاقية شرم الشيخ بعد استلام الأسرى والمحتجزين؟

المصدر : https://okathjordan.com/?p=153119
محمد نور الدباس
بناءً على السوابق التاريخية والسياقات المشابهة، فمن المعروف أن دولة الاحتلال ستقوم بنقض الاتفاقية التي وقعتها مؤخراً في شرم الشيخ، بحضور عدد كبير من الزعماء، وبضمان عدد من الدول الضامنة، ونستعرض ذلك أولاً من خلال السوابق التاريخية؛ فقد سبق أن نقضت دولة الاحتلال اتفاقات هدنة أو تفاهمات بعد تحقيق أهداف محددة (مثل استعادة أسرى أو تحقيق مكاسب أمنية)، كما حدث بعد حرب 2014 وغزة 2021، حيث أنهت دواة الاحتلال التزاماتها أحاديًا بمجرد تحقيق ما اعتبرته “أهدافها الأمنية”، ومن خلال الدوافع المحتملة للنقض، فهناك ثلاثة دوافع؛ الدافع الأول يتمثل بالضغوط الداخلية من اليمين الإسرائيلي أو المعارضة التي تعتبر الهدنة “تنازلًا”، والدافع الثاني هو الحسابات الأمنية، فقد تبرر دولة الاحتلال أي خرق بأنه رد على “استفزاز” أو “تهديد جديد”، أما الدافع الثالث فهو الاستراتيجية التفاوضية: بعد استلام الأسرى، فقد تعتبر دولة الاحتلال أن أوراق الضغط انتقلت إلى يدها، فتتحلل من التزاماتها.
أما القيود التي قد تمنعها من نقض الاتفاقية فهناك قيدين؛ الأول وجود ضمانات دولية أو رقابة من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو مصر وقطر يجعل النقض مكلفًا سياسيًا، والقيد الثاني يتمثل بالضغط الدولي، خاصة إذا ارتبطت الهدنة بمسار أوسع نحو تسوية سياسية أو إعمار غزة.
وفيما يتعلق بالنتائج المحتملة إذا نقضت دولة الاحتلال الاتفاقية؛ فهناك نتائج ثلاثة متوقعة؛ النتيجة الأولى تتمثل بانهيار الهدنة وعودة التصعيد العسكري، والنتيجة الثانية تتمثل بتراجع الثقة الدولية بدولة الاحتلال كمفاوض، أما النتيجة الثالثة فهي تعزيز موقف الفصائل الفلسطينية التي تحذر من “خداع” دولة الاحتلال، فالاحتمال قائم فعلاً، لكنه يعتمد على مدى جدية الضمانات الدولية، وعلى ما إذا كانت دولة الاحتلال ترى استمرار الهدنة في مصلحتها الاستراتيجية بعد استلام الأسرى.
وإذا أردنا الحديث عن السيناريو المحتمل خطوة بخطوة لما قد يحدث إذا قامت دولة الاحتلال بنقض الاتفاقية بعد استلام الأسرى والمحتجزين، وفقًا للمعطيات السياسية والعسكرية الواقعية، فيمكننا تقسيم هذا السيناريو إلى خمسة مراحل، كما يلي؛ ففي المرحلة الأولى وهي مرحلة ما بعد استلام الأسرى؛ حيث أن دولة الاحتلال ستقوم بانهاء عملية الاستلام، وتُعلن نجاح “المرحلة الإنسانية” من الاتفاق، ومن ثم تبدأ بعض الأصوات داخل الحكومة أو الجيش لدولة الاحتلال بالمطالبة بوقف أي التزامات إضافية (مثل انسحاب القوات أو إدخال مساعدات أو وقف العمليات في غزة)، ومن ثم يتم تجميد البنود المتبقية من الاتفاقية بحجة “تقييم الوضع الأمني” أو “وجود خروقات فلسطينية”.
وفي المرحلة الثانية؛ وهي مرحلة مبررات النقض؛ فتصدر دولة الاحتلال ادعاءات عن خروقات من طرف المقاومة، مثل إطلاق صواريخ أو تهديدات على الحدود، ومن ثم الإعلام في دولة الاحتلال يضخم هذه الحوادث لتبرير نقض الاتفاق أمام الرأي العام المحلي والدولي، ومن ثم تُعلن حكومة الاحتلال أن الهدنة “لم تعد مجدية”، وأنها تستأنف عملياتها العسكرية المحدودة “لحماية أمنها”.
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة رد الفصائل الفلسطينية؛ حيث تعتبر المقاومة الفلسطينية أن دولة الاحتلال خانت وخافت وانتهكت الاتفاق وتبدأ بالرد العسكري، سواءً بإطلاق صواريخ أو تنفيذ عمليات محدودة، وهنا ونتيجة لهذا الرد فإنه سيُستغل من قبل دولة الاحتلال لتبرير عودة العمليات العسكرية الموسعة، مما يؤدي إلى انهيار كامل للهدنة.
أما المرحلة الرابعة فتتمثل بالموقف الدولي؛ حيث أن مصر وقطر والأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس ومحاولة إعادة الالتزام بالاتفاق، وكذلك الولايات المتحدة قد تدعو دولة الاحتلال إلى التهدئة لكنها لا تمارس ضغطًا حقيقيًا إذا رأت أن دولة الاحتلال تصرفت “دفاعًا عن النفس”، وفي المقابل الاتحاد الأوروبي والأطراف العربية قد ينددون، لكن تأثيرهم الميداني سيكون محدوداً.
ونأتي إلى المرحلة الخامسة المتمثلة بالنتائج بعيدة المدى؛ حيث انهيار الاتفاق يؤدي إلى تجدد الحرب أو العمليات العسكرية المكثفة في قطاع غزة، وتتراجع الثقة الدولية بأي اتفاقيات قادمة مع دولة الاحتلال، وتضعف مكانة الوسطاء الإقليميين (خصوصًا مصر وقطر) بعد فشلهم في ضمان التنفيذ، وتعود الأزمة الإنسانية في قطاع غزة إلى ذروتها، وتتوقف مشاريع الإعمار والمساعدات.
وبالنتيجة فإن نقض دولة الاحتلال للاتفاق بعد استلام الأسرى محتمل سياسيًا، ومبرراً إعلاميًا بادعاءات “الرد على خروقات”، ومدمر ميدانيًا وإنسانيًا، لكنه يضعف موقف دولة الاحتلال دوليًا على المدى البعيد.
وإذا أردنا عمل تحليلًا للنتائج القانونية والدبلوماسية المترتبة على نقض دولة الاحتلال للاتفاقية بعد استلام الأسرى والمحتجزين؛ فنتحدث أولًا عن النتائج القانونية والتي تشمل محاور ثلاثة؛ المحور الأول يتمثل بانتهاك للقانون الدولي؛ من ناحية الاتفاقيات الدولية، حتى إذا كانت ثنائية أو عبر وسطاء، تُعتبر ملزمة بموجب قانون المعاهدات الدولي (اتفاقية فيينا لعام 1969)، ومن ناحية أخرى نقض دولة الاحتلال للاتفاقية بعد استلام الأسرى يُصنَّف كخرق للالتزام الدولي، ويمكن أن يُرفع أمام محاكم دولية أو الأمم المتحدة، والمحور الثاني مسؤولية الدولة، فالدولة المخالفة تتحمل المسؤولية المدنية والسياسية عن أي أضرار تلحق بالفصائل أو المدنيين، هذا من جانب، ومن جانب آخر يمكن أن يُطالب المجتمع الدولي بتعويضات أو تطبيق عقوبات اقتصادية أو سياسية محددة، مثل تجميد مساعدات أو فرض قيود على التعاون العسكري، والمحور الثالث اللجوء للآليات الدولية، فيمكن للفلسطينيين أو الوسطاء (مصر، قطر، الأمم المتحدة) تقديم شكوى أمام مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية، وحتى لو لم تُفرض عقوبات فعلية، يكون هناك سجل قانوني دولي ضد دولة الاحتلال يؤثر على أي اتفاقيات مستقبلية.
ونتحدث ثانيًا عن النتائج الدبلوماسية بمحاور ثلاثة؛ المحور الأول يتنثل بتدهور العلاقات مع الوسطاء، فمن ناحية الوسطاء الإقليميون (مصر وقطر) سيواجهون انتقادات داخلية وخارجية لفشلهم في ضمان الالتزام، ومن ناحية أخرى يؤدي ذلك إلى صعوبة في إقناع دولة الاحتلال أو الفصائل بأي اتفاقيات مستقبلية، والمحور الثاني تأثير على العلاقات الدولية لدولة الاحتلال؛ فمن ناحية الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية قد تندد رسميًا، وربما تحد من التعاون الدبلوماسي أو الاقتصادي مؤقتًا، ومن ناحية أخرى الولايات المتحدة قد تضغط سياسيًا على دولة الاحتلال، لكن قدرتها على إجبار دولة الاحتلال على الالتزام محدودة إذا رأت أنها تتصرف “لحماية أمنها”، أما المحور الثالث فيتمثل بإضعاف مصداقية دولة الاحتلال كمفاوض؛ فمن ناحية فإن أي اتفاقيات مستقبلية قد تواجه شكوكًا عالمية حول التزام دولة الاحتلال بالبنود الإنسانية أو الأمنية، ومن ناحية أخرى، يزيد ذلك من صعوبة التوصل إلى اتفاقيات طويلة الأمد مع الفلسطينيين أو الدول العربية.
ونتحدث ثالثاً عن التأثير على المفاوضات المستقبلية؛ فمن ناحية الفصائل الفلسطينية ستصبح أكثر تشددًا في شروطها لأي هدنة أو تبادل أسرى لاحق، ومن ناحية ثانية قد يظهر تصعيد عسكري أسرع عند أي تهديد مستقبلي، لأن الثقة بين الطرفين تنهار، ومن ناحية ثالثة فالوسطاء الدوليون سيجدون صعوبة كبيرة في إعادة بناء الثقة، مما يبطئ أي مسار سياسي أو إعمار في قطاع غزة.
وبالنتيجة فإن نقض دولة الاحتلال للاتفاقية بعد استلام الأسرى يؤدي من الناحية القانونية أن يُصنَّف كخرق لاتفاق دولي مع احتمالية مساءلة مستقبلية، ومن الناحية الدبلوماسية يؤدي إلى تراجع الثقة، تدهور علاقات دولة الاحتلال مع الوسطاء والدول الأخرى، وإضعاف أي تفاوض مستقبلي، ومن الناحية السياسية والعملية قد يفاقم الوضع الأمني والإنساني في غزة ويزيد من احتمالات التصعيد العسكري.



