Umniah

الدين العام والتحديات التنموية

جمال13 سبتمبر 2023آخر تحديث : منذ سنة واحدة
الدين العام والتحديات التنموية
رابط مختصر

عكاظ الاخبارية

د. محمد ابو حمور ( وزير المالية الاردني الاسبق

خلال السنوات الأخيرة وفي أعقاب جائحة كورونا أرتفع الدين العام في العديد من دول العالم الى مستويات قياسية، وفي الوقت الراهن، ومع الاستمرار برفع أسعار الفائدة سعياً لمواجهة الضغوط التضخمية، ازدادت أعباء خدمة الدين وأصبحت في كثير من الأحيان تشكل عبئاً على النمو الاقتصادي وتهديداً للاستقرار المالي وقد يؤدي ذلك الى عدم قدرة بعض الدول على توفير احتياجاتها التمويلية. وقد ينذر ذلك ببروز ازمة مديونية عالمية خامسة يعاني منها العالم لسنوات طويلة وتكون اثارها كارثية على الدول المثقلة بالديون.

وأشار تقرير لوكالة رويترز الى أن المصاعب المتعلقة بالمديونية اجتاحت عدداً من الدول النامية بما فيها ثلاث دول عربية هي لبنان ومصر وتونس، كما تم التطرق لهذا الموضوع خلال قمة مجموعة العشرين التي أنهت أعمالها في نيودلهي مؤخراً، وأكد الرئيس المصري خلال تلك القمة ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة تحول دون اندلاع أزمة ديون عالمية.

من المفهوم أن اللجوء الى الدين العام كوسيلة تمويلية يرتبط بعجز الموازنة العامة وهو عادة ما يكون له اثار إيجابية في المدى القصير، الا أن استمرار اللجوء للدين العام دون ضوابط واضحة سيؤدي حتماً لمصاعب تنموية ليس أقلها ارتفاع أعباء خدمته وتقليص الحيز المالي المتاح مما ينعكس سلباً على الانفاق التنموي والرأسمالي، خاصة اذا تم استخدام الدين لتمويل نفقات جارية.

لذلك من المهم أن تكون الرؤية واضحة وبناءً على معايير محددة تتعلق بالنسب التي تتيح تحقيق الاستدامة المالية ومصادر الدين العام وهيكليته بين دين داخلي واخر خارجي وأوجه استخدام هذا الدين والاثار المستقبلية المترتبة على ذلك.

وعلى المستوى المحلي فقد بلغ اجمالي الدين العام حتى نهاية النصف الأول من هذا العام حوالي 39.7 مليار دينار، أي ما يزيد قليلاً عما نسبته 114% من الناتج المحلي المقدر لهذا العام، وتم تقدير مدفوعات الفوائد في الموازنة بمبلغ 1.577 مليار دينار، أما النفقات الرأسمالية فقدرت بمبلغ 1.592 مليار دينار، ودون الخوض في التفاصيل الأخرى المتعلقة بهذه الأرقام من الواضح ضرورة التفكير جدياً بكبح جماح النمو في الدين العام وتقليصه بما يتناسب مع نسب النمو في الاقتصاد الأردني، علماً بان الاحد عشر شهراً الأولى من العام الماضي شهدت ارتفاع الدين العام بما نسبته 6% مقارنة بالعام الذي سبقه، وهنا لا بد من التنويه بان الدين العام هو عبارة عن ضريبة مؤجلة وأعباء مستقبلية لا بد من تأديتها.

عادة ما تتم التوصية بضرورة تخفيض الانفاق العام بهدف السيطرة على نمو الدين العام، ولكن مثل هذا الاجراء سيؤدي غالباً الى تراجع النمو الاقتصادي، لذلك يبدو أن السياسة الأفضل للتعامل مع هذا الامر تكمن في التوجيه الحصيف للإنفاق العام نحو الأولويات مع الالتزام بإجراءات وخطوات داعمة للنمو الاقتصادي وسياسات هادفة للتعامل مع الدين العام بمختلف مكوناته ومصادره واستخداماته ليشكل رافعة تنموية تنعكس اثارها ايجاباً على النمو الاقتصادي والأنشطة الإنتاجية المختلفة، أو ما يمكن أن نسميه استراتيجية إدارة الدين العام التي يفترض أن تتضمن وصفاً للمخاطر المختلفة وسبل التعامل معها والتوقعات حول المستجدات المستقبلية لإدارة الدين وتحليلاً لمكونات محفظة الدين وما قد يترتب على كل ذلك مستقبلاً، هذا بالإضافة الى ايلاء اهتمام مناسب بما قد يطرأ من ظروف تتطلب اعاده هيكلة المديونية وتنظيمها سواءً عبر اعادة الجدولة أو اعادة التمويل وامكانيات تخفيض الدين او مبادلته باستثمارات وكذلك السعي لتخفيض الكلف والاعباء وفترات واجال الاستحقاق، مع الحرص على المساءلة والمحاسبة حول ما يتم تنفيذه من خطوات وإجراءات، علماً بان استراتيجية إدارة الدين العام متوسطة المدى للأعوام (2019-2023) تنتهي هذا العام وبالتالي لا بد من تحديثها للسنوات القادمة على أن تنسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي وخطة اصلاح القطاع العام.

ونحن الان على مشارف الانتهاء من برنامج اصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي واعتاب الاعداد والاتفاق على برنامج جديد واشادة الصندوق بالسياسات والاصلاحات المالية والنقدية التي انتهجتها وزارة المالية والبنك المركزي الاردني خلال السنوات الاخيرة ، فلا بد من الاشارة الى ان السياسات التي تتيح الاستفادة من الدين العام لغايات تنموية تتطلب إيلاء مزيد من الاهتمام لجوانب القوة في الاقتصاد الأردني بما فيها القطاعات الإنتاجية والقطاعات الواعدة مع الاهتمام بتحفيز النمو الاقتصادي باعتباره الأداة الفاعلة لتقليص نسب المديونية وتعزيز القدرة على تحمل اعبائها، واعتماد نهج دراسة الأثر المترتب على القرارات الاقتصادية وكلفها الآنية والمستقبلية وتعزيز الشفافية والمساءلة.