مقال هام وفي وقته للدكتور فؤاد محيسن حول “حتى لا يتعدى الركود الى ظاهرة الكساد”

المصدر : https://okathjordan.com/?p=17829
عكاظ الاخبارية :
بقلم / د. فؤاد محيسن
لقد بات انتشار فيروس كورونا وما احدثه من آثار سلبية مدمرة على البشرية في جميع أنحاء العالم؛ التحدي الأكبر الذي واجه العالم اليوم. واصبح الوباء ينبأ بان النظام العالمي وتوازن القوى سيتغيران بشكل كبير، ويشيران الى انتهاء نظام العولمة الاقتصادية والاعتماد المتبادل، وبدأ مصطلح “تفكيك العولمة” الظهور إلى معجمنا
فهذه الأزمة سلّطت الضوءَ على عيوب نظامنا العالمي. تلك العيوب التي نشأت نتيجة الظلم الاجتماعي، وتفاوت الدخل، والفقر، وسوء الحوكمة
وأصبح من المؤكد، تراجع النمو والدخول إلى دائرة الركود الذي ستكون عواقبه خطيرة على الاقتصاد العالمي لعدة سنوات
كيف يواجه المجتمع الركود الاقتصادي
الركود حالة طبيعية في الاقتصاد الراسمالي وغير مخطط له. اذ يبدأ الركود بظاهرة تراجع الطلب على السلع والخدمات، وذلك بسبب تراجع الدخل (الرواتب والأجور)، مما يزيد من الفائض السلعي يعقبه عادة تخفيض العمالة للحفاظ على هوامش ربحية مقبولة للشركات
لكن التخلي عن العمالة يؤدي لمزيد من تراجع الدخل، والى الانخفاض الكبير في النشاط الاقتصادي لعدة أشهر، وهو ما يعكس انخفاضا بالناتج المحلي الإجمالي والدخل الحقيقي، ويؤدي بالتالي إلى زيادة البطالة وانخفاض الإنتاج وانخفاض مبيعات القطاع التجاري، وانخفاض في حجم الاستثمارات وأرباح الشركات
اما في حالة استمرار حالة الركود الاقتصادي لفترة تزيد عن ستة أشهر فان ذلك يؤدي إلى الكساد والذي تكون نتائجه أقوى واخطر. وقد يؤدي استمرار الكساد لفترة طويلة لحدوث انهيار اقتصادي
تقوم مواجهة ظاهرة الركود على أسس واضحة ابتكرها الاقتصادي كينز في مواجهة الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة في عام 1929 وامتدت اثاره لبقية دول العالم
فمعالجة ظاهرة الركود الاقتصادي وفقا لكنز تتطلب تدخلا من الحكومة من خلال ضخ السيولة وتوفيرها في أيدي المواطنين، مما يشجعهم على استهلاك المعروض من السلع والخدمات، وهو ما يؤدي الى خلق الطلب الفعال الذي يعمل على وقف عجلة الركود. فتنشيط ” الطلب ” يؤدي لإعادة تدوير عجلة الإنتاج مجددا
وقد اثبتت التجارب على مر التاريخ بان أفضل علاج للخروج من الركود الاقتصادي هو خلق سيولة إضافية في المجتمع من خلال أدوات السياستين النقدية والمالية وفي مقدمتها زيادة الانفاق الحكومي والذي بدوره ينقل البلاد من ركود اقتصادي إلى حالة النمو
وللخروج من حالة الركود القائمة في الاْردن علينا أن نقوم بما قد يتعارض مع ما اعتدنا عليه
فعلى مستوى السياسة النقدية:
اتخذ البنك المركزي حزمة من الإجراءات غير المسبوقة والإيجابية في هذا المجال، وتتلخص هذه الإجراءات بتأجيل اقساط القروض والتسهيلات الإئتمانية، وتخفيض اسعار الفائدة، والسماح للبنوك بإعادة هيكلة قروض الأفراد والشركات خاصة المتوسطة والصغيرة منها بالإضافة الى ضخ سيولة إضافية للاقتصاد الوطني بقيمة 1050 مليون دينار من خلال تخفيض الاحتياطي النقدي الالزامي، وتخفيض كلف التمويل وزيادة الآجال للتسهيلات القائمة والمستقبلية للقطاعات الاقتصادية، بما فيها المشاريع المتوسطة والصغيرة من خلال برنامج البنك المركزي لتمويل ودعم القطاعات الاقتصادية، بالإضافة الى دعم إجراءات الشركة الأردنية لضمان القروض بتخفيض عمولات برامج الشركة ورفع نسبة التغطية التأمينية لبرنامج ضمان المبيعات المحلية. بالاضافة الى بعض الاجراءات الأخرى والتي ركزت على الاقساط و الفوائد المستحقة على مؤسسة الاقراض الزراعي، والشيكات و تسويتها، والتي من شأنها المحافظة على الاستقرار النقدي
كما سيستمر البنك المركزي بتوفير أي سيولة إضافية للبنوك من خلال أدوات السياسة النقدية بما فيها اتفاقيات إعادة الشراء (REPO) وسيتم عكس تغيرات سعر الفائدة على هذه الاتفاقيات
قرارات «المركزي» بحاجة الى ترجمة فورية من قبل البنوك
السؤال المطروح هنا هل هذه القرارات ملزمة وواجبة التنفيذ؟؟
وما مدى إلزاميتها للبنوك؟؟
وما هو الإلزامي منها وما هو المتروك لإدارات البنوك أنفسها؟؟
فعلى سبيل المثال وعند الرجوع الى قرارات البنك المركزي الصادرة خلال العام الماضي والخاصة بتخفيض سعر الفائدة؛ فان البنوك لم تتجاوب مع توجهات البنك المركزي الا في ما يتعلق بفائدة «الاقراض لأفضل العملاء»
لكن بالنظر للتطورات العالمية المتسارعة وما تشكله من تحديات للاقتصاد الوطني؛ فاننا نتوقع من القطاع المصرفي الاردني كما عودنا في مثل هذه الظروف الاستثنائية أن تكون استجابته بحجم الحدث. اذ بدأت معظم البنوك بتأجيل اقساط العملاء، الا اننا نتطلع الى المزيد والى سرعة الاستجابة من جميع البنوك لتنفيذ قرارات المركزي التي ستساعد على تجاوز الأزمة
لان التأخر في توفير السيولة سيعمل على تفاقم الوضع الاقتصادي وتعمق الركود الاقتصادي مما يؤدي إلى الكساد والذي تكون نتائجه أقوى وأخطر من الركود الاقتصادي. وقد يؤدي استمرار الكساد لفترة طويلة لحدوث انهيار اقتصادي
اما على صعيد السياسة المالية
فلم تكن الإجراءات المتخذة بهذا الخصوص على مستوى الحدث
فقد بين وزير المالية ” أنه تم ضخ 500 مليون دينار في الاقتصاد الأردني، وذلك للحد من تداعيات الأزمة، واكد ان ضخ هذه السيولة وتوفيرها للمواطنين وللقطاع الخاص في الوقت الحالي انما يؤشر على شكل من اشكال الاستجابة لمواجهة تداعيات الازمة، ولكي يتسنى للقطاع الخاص الاستمرار في عملية الانتاج والفعالية وتنشيط الاقتصاد الاردني، وأن الوزارة عملت على تأمين السيولة اللازمة لتغطية مستحقات مالية للقطاع الخاص ليتم صرفها خلال شهر نيسان الحالي وايار القادم ، حيث بلغت قيمة هذه المستحقات (150) مليون دينار، بالاضافة الى قيام الوزارة بتسديد مبلغ 350 مليون دينار (من اصل ال 500 مليون) تم صرفها في نهاية العام الماضي وبداية الشهر الاول من العام الحالي تمثل إلتزامات مالية في ذمة الحكومة للقطاع الخاص متأخرة عن السداد”
وغي هذا المقام اود ان ابين ان غالبية هذا المبلغ (ال 350 مليون دينار) قد يكون ذهب للبنوك سدادا لالتزامات القطاع الخاص قبل وصول جائحة كورونا للأردن
اما مبلغ ال 150 مليون دينار الأخرى
سواء اكانت مستحقات للقطاع الخاص ام بدل رديات ضريبية متأخرة ام بدل مستحقات وذمم على الحكومة، سيتم تسديدها لأصحابها في القطاعات المختلفة؛ فهي بالأصل نفقات حكومية اعتيادية وردت ضمن موازنة العام 2020 وأقرت في نهاية العام الماضي وقبل الجائحة
بالاضافة الى ان جزءاً من السيولة خرج من أيدي القطاع الخاص على شكل هبات وتبرعات
وبالنتيجة فان السياسة المالية لم يتم استخدام أدواتها المعروفة في محاربة الركود الاقتصادي. اذ ان أفضل علاج للخروج من الركود الاقتصادي هو زيادة الانفاق الحكومي وتخفيض الضرائب، الأمر الذي يدفع السوق نحو النمو الاقتصادي
وخلاصة القول:
وبهدف تجاوز حالة الركود الذي افرزته جائحة كورونا؛ علينا أن نقوم بما قد يتعارض مع ما اعتدنا عليه، عبر اتخاذ تدابير على مستوى السياستين النقدية والمالية وبالسرعة القصوى
فسرعة استجابة جميع البنوك لتنفيذ قرارات البنك المركزي تشكل عاملا أساسياً في توفير السيولة بما يودي الى تجاوز الأزمة
كما ان معالجة ظاهرة الركود الاقتصادي تتطلب تدخلا مباشراً من الحكومة. ويكون العلاج بتوفير السيولة في أيدي المواطنين، مما يشجعهم على استهلاك المعروض من السلع والخدمات، وهو ما يؤدي لوقف عجلة الركود . فتنشيط “الطلب” يؤدي لإعادة تدوير عجلة الإنتاج مجددا
وبعكس ذلك فان البطالةُ والمجاعةُ والفقرُ في انتظارنا، لان التأخر في توفير السيولة سيؤدي الى تفاقم الوضع الاقتصادي وتعمق الركود مما يؤدي إلى الكساد والذي تكون نتائجه أقوى وأخطر من الركود الاقتصادي. وقد يؤدي استمرار الكساد لفترة طويلة لحدوث انهيار اقتصادي
فقد آن الأوان لإجراءات فعالة لا تقف عند حدود التغني بخطط السلامة المالية
*اقتصادي وخبير مصرفي






